نفحات رمضانيَّة (20): هكذا تحدَّث أمير المؤمنين (عليه السَّلام) عن القرآن الكريم – (4)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة العشرون ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الأحد بتاريخ: (20 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 3 مايو 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
هكذا تحدَّث أمير المؤمنين (عليه السَّلام) عن القرآن الكريم – (4)
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المنتجبين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
الكلمة الرابعة
من كلمات أمير المؤمنين (عليه السَّلام) التي تتحدَّث عن القرآن.
•أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «اللهَ اللهَ في القرآنِ، لا يَسبِقُكُم بالعَمَلِ بهِ غَيرُكُم». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 9/328، ح 16582)
مكوِّنات تشكيل العلاقة مع القرآن – (4)
المكوِّن الرَّابع: العمل بالقرآن (التَّمثُّل القرآني)
قلنا إنَّ للقرآن عدَّة حضورات:
الحضور الأوَّل: الحضور اللِّساني وهو الذي يُعبَّر عنه بالتِّلاوة.
التِّلاوة هي أن يتحدَّث ويتكلَّم اللِّسان.
الحضور الثَّاني: الحضور القلبي الوجداني، وهذا ما عبَّرنا عنه بالانصهار والعشق، وعبَّر عنه أمير المؤمنين (عليه السَّلام) بالأُنس بالقرآن.
اللِّسان يتحرَّك تاليًا للقرآن، القلب يُشارك في هذه التِّلاوة بالانصهار والذَّوبان والأُنس.
الحضور الثَّالث: الحضور العقلي، وهو الذي يُعبَّر عنه بالتَّدبُّر، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ …} (محمد/24)، ففي التَّدبُّر العقل هو الحاضر.
الحضور الرَّابع: الحضور العملي.
هناك حضور لساني، وهناك حضور قلبي وجداني، وهناك حضور عقلي، ويبقى الحضور الأساس هو الحضور العملي.
الكلمة الرَّابعة هنا تتحدَّث عن الحضور العملي.
•أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يقول في كلمته: «اللهَ اللهَ في القرآنِ، لا يَسبِقُكُم بالعَمَلِ بهِ غَيرُكُم»،
(بالعمل) الإمام هنا يتحدَّث عن العمل بالقرآن، هذا ما نسمِّيه بالحضور العملي.
مطلوبٌ أنْ نقرأ القرآن، وهذا هو الحضور اللِّساني.
ومطلوبٌّ أنْ ننصهر مع القرآن، وهذا هو الحضور الوجداني.
ومطلوبٌ أنْ نتدبَّر القرآن، وهذا هو الحضور العقلي.
كلُّ هذه المكوِّنات تبقى فاقدة المعنى إذا لم يتوَّفر الحضور العملي وهو العمل بالقرآن (التمثُّل القرآني).
للتِّلاوة قيمتها، وللانصهار مع القرآن والذَّوبان قيمته، وللتَّدبُّر قيمته، لكن تبقى القيمة مفقودة إذا لم يتحقَّق التَّمثُّل العملي بالقرآن.
هذا عنصر أساس وهو كيف نحرِّك القرآن في حياتنا، وفي عواطفنا، وفي أخلاقنا، وفي سلوكنا، وفي كلِّ حراكنا، وفي كلِّ وجودنا؟ وكيف يتجسَّد ويتمثَّل القرآن في واقعنا؟
هنا القيمة كلُّ القيمة، وهنا الأهميَّة كلُّ الأهميَّة، حينما يتحوَّل القرآن إلى واقع يتحرَّك في حياتنا.
هذا ما نعبِّر عنه بالتَّمثُّل القرآني، أن نتمثَّل القرآن، وأن نجسِّد القرآن، وأن نصنع واقعنا من خلال القرآن.
ما معنى التمثل القرآني؟
معنى التَّمثُّل القرآني: أنْ نعيش القرآن فكرًا وعاطفة وسلوكًا
مكوِّنات شخصيَّة الإنسان هي:
1-المكوِّن الفكري
2-المكوِّن النَّفسي العاطفي
3-المكوِّن السُّلوكي
هذه مكوِّنات الشَّخصيَّة.
ولذلك نقول: هذه شخصيَّة إسلاميَّة إذا كان الفكر إسلامي، وإذا كانت العاطفة إسلاميَّة، وإذا كان السُّلوك إسلامي.
هذه مكوِّنات أساس في بنية الشَّخصيَّة.
فمثلًا أنا كيف أفهم شخصيَّة فلان؟
أفهم ذلك من خلال المفاهيم التي يحملها في فكره، ومن خلال العواطف التي يحملها في قلبه وفي مشاعره وفي وجدانه، ومن خلال السُّلوك والممارسات المتحرِّكة في حياته.
إنَّ شخصيَّة الإنسان تنصبغ وتتكوَّن وتتشكَّل من هذه المكوِّنات.
فحتى نكون قرآنيِّين لا بدَّ أن يكون فكرنا قرآنيًّا، وأن تكون عاطفتنا قرآنيَّة، وأن يكون سلوكنا قرآنيًّا.
وهنا نلقي بعض الضَّوء على هذه المكوِّنات.
المكوِّن الأوَّل: أن يكون فكرنًا فكرًا قرآنيًّا
أنْ نشكِّل رؤانا ومفاهيمنا وأفكارنا وتصوُّراتنا وِفق توجيهات القرآن.
هذا أوَّل تمثُّل عملي للقرآن، وهو أن نصوغ أفكارنا صياغة قرآنيَّة، وأن يكون فكرنا فكرًا قرآنيًّا.
أنا أختزن في عقلي وفكري مجموعة أفكار ومفاهيم ورؤى وتصوُّرات، فالمطلوب أن تكون هذه المفاهيم وهذه الرُّؤى وهذه الأفكار وهذه التَّصوُّرات مصنوعة من وحي الإسلام، ومن وحي الدِّين.
والمصدر الأساس في صنع الأفكار: القرآن، ثمَّ السُّنَّة النَّبويَّة وروايات الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، فهذه هي التي تصنع أفكارنا ومفاهيمنا.
فنحن إذا كنَّا فعلًا قرآنيِّين لا بدَّ أن نصبغ كلَّ أفكارنا وكلَّ معتقداتنا وِفق توجيهات القرآن، الأفكار التي تشمل المعتقدات وتشمل بقيَّة التَّصوُّرات والمفاهيم، فهناك معتقدات أساس كالإيمان باللَّه، والإيمان بالرِّسالة، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالعدل، والإيمان بالإمامة، هذه مكوِّنات أساس في بناء وصياغة البنية العقديَّة أو العقيديَّة.
إذن، هذه المرتكزات العقائديَّة يجب أن تُشكِّل مرتكزًا في هُويَّتنا الفكريَّة والثَّقافيَّة، وفي مفاهيمنا، وأن تنصنع المرتكزات العقائديَّة من خلال مفاهيم القرآن.
ثمَّ بقيَّة الثَّقافة العامَّة التي ترتكز على المعتقدات الأساس، فالحياة فيها مفاهيم ورؤى وتصوُّرات، فالمطلوب أن تصاغ هذه المفاهيم والرُّؤى والتَّصوُّرات وِفق المرتكزات العقائديَّة المأخوذة من القرآن، فالقرآن يجب أن يصنع عقائدنا، وثقافتنا، ومفاهيمنا، وأفكارنا، ورؤانا.
إذن، أن نعيش القرآن فكرًا، وأن تكون أفكارنا قرآنيَّة، وتصوُّراتنا قرآنيَّة، بمعنى أنْ يكون القرآن هو مرجعيَّة الفكر والثَّقافة والمعرفة.
والإنسان يجب أن تكون له مرجعيَّة فكريَّة وثقافيَّة ومعرفيَّة.
فإذا لم يكن القرآن هو مرجعيَّتنا، وإذا لم تكن السُّنَّة هي مرجعيَّتنا في الفكر والمفاهيم والمعرفة والتَّصوُّرات، فلسنا إسلاميِّين، ولسنا قرآنيِّين.
إذن، فالمطلوب في التَّمثُّل القرآني أولًا هو التَّمثُّل الفِكري فيما هي مجموعة المفاهيم ومجموعة التَّصوُّرات.
المكوِّن الثَّاني: أنْ تكون عواطفنا عواطف قرآنيَّة
لا يكفي أن نصوغ الأفكار صياغة قرآنيَّة، فربما تتشكَّل الأفكار تشكُّلًا إسلاميًّا، وربما تتشكَّل المفاهيم تشكُّلًا إسلاميًّا، لكنَّ العواطف تبقى منفصلة عن الإسلام ومنفصلة عن مفاهيم الإسلام، إذن لم يكتمل بناء الشَّخصيَّة، ولم يكتمل التَّمثُّل.
فإذا كان المطلوب منَّا أن نتمثَّل الإسلام والقرآن بالمفاهيم والأفكار والتَّصوُّرات، فالمطلوب أن نحوِّل هذه المفاهيم والأفكار والتَّصوُّرات إلى مواقع تصوغ عواطفنا، وتصوغ مشاعرنا، وتصوغ كلَّ خلجات نفوسنا ووجداننا وقلوبنا، وأن تكون عواطفنا عواطف قرآنيَّة.
وقد أكَّد القرآن على منظومة من العواطف الإيمانيَّة.
حينما نقرأ الآيات القرآنيَّة والنُّصوص الدِّينيَّة نراها تؤكِّد على مجموعة من العواطف والمشاعر والأحاسيس الإيمانيَّة، ومن هذه العواطف الإيمانيَّة:
1-حبَّ الله تعالى
الحبُّ حالة وجدانيَّة قلبيَّة، وهو شعور وعاطفة.
هذا بُعدٌ أساس في التَّشكُّل الوجداني العاطفي، وهو أن ينصنع في داخلنا حبُّ الله، وهو أكبر المشاعر وأعظم المشاعر التي يجب أن تتمركز في داخل عواطف الإنسان المؤمن، فحبُّ الله أكبر من أيِّ حبٍّ آخر، ومن خلال هذا الحبِّ يجب أن تُصنع كلُّ أشكال الحبِّ الأخرى.
هذه عاطفة أساس مركزيَّة في بناء الهُويَّة العاطفيَّة والنَّفسيَّة والوجدانيَّة عند الإنسان المؤمن.
وهذه عاطفة من العواطف التي يجب أن تُصنع عند الإنسان المؤمن، وقد أكَّد القرآن على بناء حبِّ الله في داخل الإنسان المؤمن.
2-الخوف من الله تعالى
عاطفة أخرى يؤكِّد عليها القرآن، وتؤكِّد عليها النُّصوص الدِّينيَّة وهي الخوف من الله تعالى.
نحن نحبُّ الله أقصى درجات الحبِّ، فمطلوب أن نعيش الخشية والخوف من الله، الخوف الذي يصنع الاستقامة، والخوف الذي يصنع اللُّجوء إلى الله، والخوف الذي يصنع الاعتماد على الله في كلِّ مسارات حياتنا، الخوف الأعظم هو الخوف من الله وهو الذي يصنع خوفنا من كلِّ مواقع الخوف الصَّحيحة.
إذا غاب الخوف من الله سنسقط في ألوان من الخوف الفاسدة، وسنسقط في ألوان من الخوف الباطلة.
إذن، حبُّ الله عاطفة قرآنيَّة، والخشية والخوف من الله عاطفة قرآنيَّة.
3-حبُّ الأنبياء والأولياء
القرآن يؤكِّد على حبَّ الأنبياء والأولياء، وهذا الحبُّ هو امتداد وانطلاق من حبِّ الله تعالى.
لماذا نحبُّ الأنبياء؟ لأنَّنا نحبُّ الله.
لماذا نحبُّ الأولياء؟ لأنَّنا نحبُّ الله.
حبُّ الله يفرض علينا أن نحبَّ الأنبياء، وأن نحبَّ الأوصياء، وأن نحبَّ الأولياء.
4-الحبّ في الله والبغض في الله
من ألوان العواطف الإيمانيَّة، فأنا حينما أحبُّ فلانًا، وحينما أبغض فلانًا؛ ذلك لأنَّ الله يأمرني أن أحبَّ فلانًا، ولأنَّ الله يأمرني أن أبغض فلانًا، فيجب أن أصنِّف حبِّي وبغضي على هذا الأساس، وليس على أساس مزاجات شخصيَّة، ولا على أساس مصالح دنيويَّة، ولا على أساس أغراض خاصَّة، الحبُّ يجب أن يُصنع من خلال حبِّ الله، وحبِّ الأنبياء، وحبِّ الأولياء، فأحبُّ وأبغض في الله، لا لمصالح دنيا، ولا لمصالح وأغراض شخصيَّة.
وقيمة الحبِّ في الله والبغض في الله عظيمة عند الله، والمتحابُّون في الله لهم مواقع كبيرة، كبيرة، كبيرة جدًّا عند الله يوم القيامة.
كما في النُّصوص والروايات أنَّهم يكونون على منابر من نور يوم القيامة، فالمتحابُّون في الله متميِّزون يوم القيامة، فإنَّهم يُحشرون على منابر من نور، النَّاس كلُّهم تتَّجه أبصارهم إلى هذه المنابر النُّوريَّة ويتساءلون من هؤلاء؟ فيقال لهم: هؤلاء المتحابُّون في الله.
المتحابون في الله يُؤمرون إلى الجنَّة بغير حساب، فتسألهم الملائكة على أبواب الجنَّة من أنتم؟ فيقولون: نحن المتحابُّون في الله.
إذن، هذه عاطفة لا بدَّ أن تكون من صنع القرآن.
5-الغضب لله
القرآن يأمرنا أن نغضب لله، وأن نرضى لله.
6-حبُّ الطَّاعة، وبُغض المعصية
هذه عواطف يجب أن تُصنع من خلال القرآن، القرآن يأمرنا أن نحبَّ الطَّاعة وأن نبغض المعصية.
هذه المجموعة وغيرها من العواطف يجب أن تُصنع من خلال القرآن.
فحينما نتحدَّث عن التَّمثُّل العملي للقرآن، نتحدَّث أوَّلًا عن صنع الأفكار، ونتحدَّث ثانيًا عن صنع العواطف، بأن تكون أفكاري قرآنيَّة، وأن تكون مشاعري وعواطفي قرآنيَّة.
المكوِّن الثَّالث: أنْ يكون سلوكنا سلوكًا قرآنيًّا
تتشكَّل الشَّخصيَّة الإسلاميَّة، حينما يكون الفكر إسلاميًّا قرآنيًّا، وحينما تكون العواطف قرآنيَّة وحينما تكون الممارسات العمليَّة قرآنيَّة، فحينها تكون الشَّخصية قرآنيَّة.
هناك مَنْ يقرأ القرآن ولا يتمثَّل توجيهاته، فيوجد بونٌ واسع بين سلوكه وتوجيهات القرآن، ويوجد بونٌ واسع بين سلوكه وبين توجيهات القرآن، فهذا النَّمط من النَّاس يقرأ القرآن ولا يستمع لتوجيهات القرآن، ولا يطبِّق شيئًا من تعاليم القرآن.
وهناك مَنْ يقرأ القرأن ويتمثَّل توجيهاته (أوامره ونواهيه)
القرآن توجد فيه أوامر، وتوجد فيه نواهي، فحينما يقرأ الإنسان القرآن يتمثَّل أوامر القرآن، ويتمثَّل نواهي القرآن، فيعتبر هذا متمثِّل عمليًّا للقرآن، ومطبِّق عمليًّا للقرآن، فمِنْ أوامر ونواهي القرآن:
•يقول تعالى: {إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام/15)
حينما أقرأ هذه الآية فهل فعلًا أنا أعيش الوجل والخوف من عذاب يوم عظيم؟ أم هي لقلقة لسان؟ الآية تحمل مضمونًا كبيرًا، {إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
هل فعلًا حينما أهمُّ بالمعصية، وحينما تصدر المعصية منِّي هل أعيش الوجل والخوف من عقوبة الله في يوم الحساب، ذلك اليوم العظيم في الآخرة؟
عندما نقرأ القرآن فإن كنَّا من المتمثِّلين نعيش هذا الخوف.
•حينما أقرأ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ …} (التَّوبة/119)
{… اتَّقُواْ اللهَ …}، هذا خطاب للمؤمنين.
أنا حينما أقرأ هذه الآية الكريمة، وهذا الخطاب هل أعيش استشعار الضَّرورة لتقوى الله؟ وهل أعيش تقوى الله عمليًّا؟ أم إنَّها لقلقة لسان؟ وكأنَّني لست معنيًّا بهذا الخطاب؟!
أمَّا المتمثِّل للقرآن يجد هذا الخطاب موجَّه إلى عقله، وقلبه، ومشاعره، وكلِّ وجدانه، فإنَّ الخطاب يصل إلى داخل المشاعر، وإلى داخل العقل، وإلى داخل القناعات.
•حينما أقرأ قوله تعالى: {… وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى …} (البقرة/197)
هل أعيش التَّقوى؟
•حينما أقرأ قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة/5)
هل فعلًا أتمثَّل هذا المضمون الكبير؟
•حينما أقرأ قوله تعالى: {… وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات/11)
هل أتمثَّل هذا؟
ونجد أنَّ الأحاديث حذَّرت كثيرًا من القراءة التي لا يتبعها تمثُّل عملي.
•جاء في الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى، فيقول: يا ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا؟
قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى، فيُؤمر به إلى النَّار». (الحرُّ العاملي: وسائل الشيعة 6/184، ح8)
«مَنْ قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى»
«أعمى» هل أعمى بصرًا؟ أم أعمى قلبًا؟ أم أعمى وجدانًا؟ لم يتم تحديد ذلك في الرِّواية، وإنَّما الرِّواية تقول: «من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى، {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ} (طه/125 – 126)».
أنت سمعت وقرأت الآيات لكن لم تتمثَّلها، ولم تُطبِّقها، ولم تعمل بها.
{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا}، النِّسيان عدم الالتزام، وعدم التطبيق، وعدم تحويل المفاهيم القرآنيَّة إلى واقع متحرِّك في حياتنا.
•وفي حديث آخر أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: «ما آمن بالقرآن مَنْ استحلَّ محارمه» (النُّوري: مستدرك الوسائل 4/250، ح 4620/ 6)
•وفي حديث ثالث قال (صلَّى الله عليه وآله): «رُبَّ تالٍ للقرآن، والقرآن يلعنه» (النُّوري: مستدرك الوسائل 4/249، ح 4616/ 2)
•جاء في كتاب المحجَّة البيضاء للفيض الكاشاني: “وتلاوة القرآن حقَّ تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب
فحظُّ اللِّسان تصحيح الحروف بالتَّرتيل
وحظُّ العقل تفسير المعاني
وحظُّ القلب الاتِّعاظ والتَّأثر بالانزجار والائتمار
فاللِّسان واعظ
والعقل مترجم
والقلب متَّعظ”
(الفيض الكاشاني: المحجَّة البيضاء في تهذيب الإحياء 2/247)
هذا هو المفهوم العملي لتلاوة القرآن.
المكوِّن الرَّابع: الحضور الرِّسالي
أنْ ننشِّط القدرات في خدمة أهداف القرآن.
التَّمثُّل أن أصنع نفسي قرآنيًّا.
الرِّساليَّة القرآنيَّة أن أصنع الآخرين قرآنيًّا.
فلأهميَّة البرامج القرآنيَّة لا بدَّ:
1-أن نملك قدرات قرآنيَّة.
2-أن ندعم ماديًّا البرامج القرآنيَّة.
3-أن ندعم معنويًّا البرامج القرآنيَّة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.