حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 358: الدعاء إلى الله، – حَراكُ الشعب مستمر – في الذكرى الخامسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين وبعد فمع أكثر من عنوان…


مع هذا النص القرآني:
قوله تعالى في سورة آل عمران (الآية 137):
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾
الدعاء إلى الله، الآمرون بالمعروف، المتصدّون للفساد والانحراف، العاملون من أجل قضايا الأمّة، الحاملون هموم الشعوب، الناشطون في الدفاع عن المطالب العادلة، هؤلاء تقف في مواجهتهم ثلاث قُوى:
(1) القوى المعادية ويمثّلها: أجهزة استكبار وأنظمة حكم وعملاء أنظمة، وأصحاب مصالح وامتيازات، ووجودات فاسدة ومنحرفة…
(2) قوى صامتة متفرّجة، هؤلاء ليس لهم موقف ضدّ الفساد والانحراف والظلم، ولا يناصرون العاملين والناشطين…
موقفهم الصمت والتفرّج والحياد… والحقيقة هذا الموقف يشكّل دعمًا للفساد والانحراف والظلم، هؤلاء الحق هو نصرة للباطل…
لا حياد في معركة الحق والباطل، ومعركة الخير والشر، ومعركة العدل  والظلم…


ومقولة ((الوقوف على التل أسلم)) مقولة باطلة، تحدّثنا كتب التاريخ والسيرة عن أحد الصحابة كان له موقف معروف في واقعة صفين التي دارت بين الإمام عليّ بن أبي طالب ومعاوية.. فكان هذا الصحابي الذي حان وقت الصَّلاة انحاز إلى جيش العراق وصلّى مع عليٍّ عليه السَّلام، وإذا حان وقت الطعام انحاز إلى جيش الشام وجلس على موائد معاوية، وإذا احتدم القتال بين الطرفين وقف على التل متفرّجًا.. ولمّا سُئل قال مقولته المعروفة ((الصَّلاة مع عليٍّ أتم، والجلوس على مائدة معاوية أدسم، والوقوف على التل أسلم))


(3) قوى مخدّرة ومثبّطة…
وهي التي تحدّث عنها النصُّ القرآني الآني…
وظيفة هؤلاء تخدير العاملين، وتثبيط همم الناشطين وإثارة التشكيكات ضدّ الحراكات المواجهة للفساد والظلم معتمدين وسائل متنوّعة:
1- من هذه الوسائل خلق اليأس والإحباط في نفوس العاملين والناشطين:
– ما جدوى الحراك؟
– إلى متى يستمر الحراك؟
– ما أكثر الخسائر والتضحيات؟
– فالصمت والمهادنة هو الأصلح…
• ﴿واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ {*} وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {*} فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ {الأعراف/163-165}


2- ومن وسائل المخدّرين والمثبطين ((التخويف والترهيب)) بقوة والجبهة المضادّة ((قوى كبرى، أنظمة حكم، جماعات إرهابية، كيانات اجتماعية)) ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ…﴾ {آل عمران/173}
3- 
جمدّوا نشاطكم، وأوقفوا حراككم، داهنوا الأنظمة.. لأنّهك لا تملكون عددًا ولا عدّة… إنّهم يملكون القوّة وكلّ العتاد، وكلّ السَّلاح، وكلّ القدرات والإمكانات… لا تملكون إلّا الكلمات، إلّا الاعتصامات، إلّا المسيرات…


فالمصلحة كلّ المصلحة أنْ توقفوا كلّ ذلك وأنْ تسالموا، وأنْ تصالحوا، وأنْ تقبلوا ما تجود به عليكم الأنظمة الحاكمة حتّى لو كان فيه كلّ الظلم، وكلّ الإجحاف بحقوقكم…


تحدّثت الآية الكريمة التي مرّ ذكرها عن لغة المخدّرين ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ…﴾ {آل عمران/173}


وتحدثت عن موقف المؤمنين الصَّادقين العاملين في مواجهة لغة التخدير والتثبيط والتخويف والترهيب…


فما هو هذا الموقف؟
موقف الثبات والصمود والإصرار على مواصلة الطريق، مهما كان الثمن باهظًا، ومهما كانت التكاليف مرهقة…  ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ {آل عمران/173}


أيّ أنَّ التخويف والترهيب لم ينال من إيمانهم، وعزائمهم، وصمودهم، وإصرارهم، بل إزدادوا قوةً، وثباتًا وإيمانًا…


لماذا؟


يملكون الثقة المطلقة بالله تعالى ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ {آل عمران/173}
فلا تملك كلّ قوى الأرض أنْ تهزم مَنْ اعتمد على قوة السّماء.. لا قوى كبرى، ولا أنظمة قهر، ولا قوى إرهاب قادرة أنْ تسقط إرادةً تسلّحت بسلاح الإيمان، وأن تضعف عزائم تحصّنت بالعقيدة الحقّة، وذابت في حبّها لله سبحانه…  ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ {آل عمران/174}


إنّ الكلمات المخدّرة والمخوّفة إنّما هي صادرة من الذين لا يفهمون المعادلة الرّبانية…


إنّ قوى الاستكبار، والقوى الطاغوتية، وقوى الباطل هي ((قوى شيطانية)) والشيطان لا يُرعب ولا يخوّف ولا يرهب إلّا أولياءَه أمّا أولياء الله فلا يخافون ولا يرهبون ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ {آل عمران/175}



حَراكُ الشعب مستمر


حراك الشعب مستمرٌ حتّى تتحقق المطالب العادلة…
ولن يخرج هذا الحراك عن مساراته السلمية حتّى يستجيب النظام..
والسؤال المطروح: متى يستجيب النظام؟
الأوضاع لازالت تتجه نحو المزيد من التأزيم والتعقيد والاحتقان…
ونداءاتُ، وإداناتُ العالم مستمرةٌ وهي تطالب النظام بتصحيح الأوضاع، والاستجابة لمطالب الشعب…
الحلُّ ليس مُعقَّدًا، وليس عسيرًا، المسألة في حاجة إلى:
• دوافعَ صادقةٍ…
• وإراداتٍ جادّةٍ…
• وفعلٍ متحركٍ…
أمّا الدوافع الصّادقة فالعودة إلى العقل والضمير والحقّ…
ماذا يقول العقل؟
العقلُ يقول: لا بُدَّ مِن حلٍّ، وإلّا فالبلد لن يجد الراحة والهدوء والاستقرار…


العقلُ يقول: يجب أنْ تُدرسَ الأسباب التي أنتجت هذا المأزوم…
العقلُ يقول: يجب معالجة تلك الأسباب إذا أريد الخير والأمان والصلاح لهذا البلد…


وماذا يقول الضمير؟
الضميرُ يقول: أرحموا عذابات هذا الشعب، تحسَّسوا أوجاعه وآلامه، واستمعوا إلى صُراخاتِ المعذَّبين، امسحوا دموع الثكالى واليتامى والأرامل…
فقد طال عمر المحنة، واشتدَّ العناء، ومات الأمن والأمان…


وماذا يقول الحقُّ؟
الحقُّ يقول: اعدلوا يا من تحكمون البلاد، فالعدل أقوى أساس، والعدل قوام الشعوب، وزينة الحكّام، والعدل أفضل سياسة، والعدل صلاح البلدان، والعدل ينشر البركات والخيرات ويزرع الأمن والأمان…


• قال نبيّنا الأعظم صلّى الله عليه وآله:
((عدلُ ساعةٍ خير من عبادة ستين سنة، قيام ليلها، وصيام نهارها، وجورُ ساعة في حكم أشدّ وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة))
• وفي آخر خطبةٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله في المدينة وقد سأله عليّ عليه السَّلام عن منزلة السلطان الجائر قال:
((من أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة: إبليس، وفرعون، وقاتل النفس، ورابعهم سلطان جائر))


• ومن كلمات أمير المؤمنين عليه السَّلام:
((اعدل تحكم))، ((اعدل تملك))، ((بالعدل تصلح الرعية))، ((ما عُمرت البلدان بمثل العدل))
هذا ما يقوله العقل والضمير والحق…
فإذا توفّر هذا توفّرت الدوافع الصَّادقة ٌلإصلاح الأوضاع، وإلّا فلن يتحرّك أيّ حلٍّ قادر على إنتاج الانفراج…
وأمّا الإرادة الجادّة فهي معطى طبيعي لتوفي الدوافع الصّادقة، وهنا تتولّد الرغبةُ الحقيقية في التغيير والإصلاح، وهنا تنشط الهمم للبحث عن المخرج من الواقع المأزوم، وحينما تتعثّر الإرادة الجادّة فهذا يعني أنْ لا دوافع صادقة، وهذا يعني أنْ لا رغبة حقيقية في التغيير والإصلاح، وهذا يعني حدوث الشلل وغياب الهمم في البحث عن مخرج يُنقذ البلد من أزماته…


وأمّا الفعلُ المتحرّكُ فهو الانطلاقة العملية في مسارات الحلّ، قد تنشطُ الكلماتُ، وتتعالى الخطاباتُ ويكثر الضجيج، ويرتفع صراخ الإعلام، وكلّ ذلك من أجل الاستهلاك والتسويق لحلول وهمية التحرّك الجادّ له مؤشّراته، وأن تكون هناك لقاءات، سمّها ما تشاء لقاءات تفاهم، لقاءات حوار، ما مؤشرات الجدّية والصدقية في هذه اللقاءات؟ نرحب بأيّ خطوة في اتجاه إنتاج حلّ، إلا خطى النظام خطوة، فنحن نخطو خطوات، ولكن حينما تكون الخطوة جادّة وصادقة وحقيقية، وأمّا أنْ يكون الأمر استهلاكًا وتسويقًا إعلاميًا، فهذا يعطي مؤشرًا سلبيًا، وإنّ الشعب الذي عاش المعاناة طيلة هذا التاريخ لا يمكن أنْ يتنازل عن مطالبه العادلة، وإنّ حراكه بدأ ولن يتوقف حتّى تتحقق تلك المطالب، وهاهي الذكرى الثالثة لانطلاق الحراك تحمل إصرار الجماهير على الثبات والصمود في هذا الطريق، ما دامت المطالب عادلة، وما دام النهج سلميًا مشروعًا.. وبهذه المناسبة نهيب بالجماهير أنْ تكون الحاضرة في هذه الذكرى بقوة وإصرار، مع التحذير الشديد من أيّ نزوع نحو العنف والتطرّف، فالسلمية هي سلاحنا في هذا الحراك، وأيّ خروج عن هذه السلمية يسيء إلى الحراك…


وإذا كانت الإدانة لأيّ عنف في الشارع مطلوبة، فلا شكّ أنّ العنف الأكثر إدانة هو عنف السلطة، هذا العنف الذي حصد أرواحًا كثيرة، فلا يكاد يمر شهر دون أنْ يسقط ضحايا في هذا الطريق، وآخر هذه الضحايا المرأة المؤمنة أسماء حسين من قرية جد الحاج، والتي فارقت الحياة نتيجة مداهمة منزلها وقت الفجر، وبطريقة مُرعبة جدًا، تغمدها الله تعالى بوافر رحمته، وتغمد الله كلّ الشهداء الأبرار الذين سقطوا في هذا الطريق…


فمتى يتوقف هذا العنف؟
ومتى يتنفس أبناء هذا الوطن هواء الأمن والأمان؟
ومتى يبدأ خيار الإصلاح؟
ومتى تتحقق آمال هذا الشعب في الحياة الكريمة؟
ومتى ينتهي هذا الواقع المأزوم؟


لا يتحقق كلّ ذلك إلّا إذا عاد العقل والضمير والحق، ووُلِدتْ الإرادةُ الجادّة في التغيير، وبدأت الخطوات الحقيقيةُ في هذا الطريق، أمّا إذا كانت الأجواءُ مثقلةً بالعنف والبطش والاستنفارات الأمنية، فمآلات الأوضاع إلى الأسوء، وهذا ما يقلق كلّ الغيارى على هذا الوطن… كلُّنا أمل وقلوبنا مشدودة إلى الله العلي القدير أنْ يفيض بلطفه وكرمه على هذا البلد، وهذا الشعب أمنًا وأمانًا، وخيرًا وصلاحًا، ووحدةً وألفةً ومحبة..


كلمة أخيرة
نهنئ الشعب الإيراني وجميع الشعوب الإسلامية بحلول الذكرى الخامسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، الثورة التي قادها الإمام روح الله الخميني رضوان الله عليه، واستطاعت أنْ تسقط نظامًا جاثم على صدر إيران زمنًا طويلًا، وملأ الأرض فسادًا ونشر الرعب، وفتك، وبطش، وقتل، وهتك الأرض، وعبث بالثروات والمقدرات، وحارب الدين والقيم، متمترسًتا بترسانة أسلحة تعتبر خامس قوة عسكرية في العالم…
إلّا أنّ الإمام الخميني رضوان الله عليه بإيمانه، واعتماده على الله القادر القاهر، وبإرادتهِ، وثباتِه، وإصرارِ شعبه وجماهيره، وببركة دماء الشهداء، تمكّن رضوان الله عليه من أنْ ينهي ذلك النظام الفاسد، وأنْ يؤسّس لنظام أعطى للإسلام حضورًا قويًّا بعد أنْ غيّبته أنظمة الحكم زمنًا طويلًا فلقد راهن الكفر والاستكبار على أنّ الإسلام قد انتهى سياسيًا، وأنّ فقهاء الدين قد أفلسوا سياسيًا، وأنّ الشعوب الإسلامية قد خدّرت سياسيًا، إلّا أنّ الإمام الخميني بثورته المباركة، ونهوضه العظيم، وصرخته المدوّية وجهاده الصلب، وعزيمته الصامدة وثقته الكبيرة بالله أستطاع أن يسقط كلّ تلك الرهانات، وإذا بالإسلام قد عاد حضورًا شامخًا، وإذا بعلماء الدين يكون لهم دورهم العملاق في مواجهة مشروعات الاستكبار والانحراف والفساد، وإذا بالشعوب تتفجّر غضبًا، وترفض كلَّ أشكال التخدير، وكلّ أشكال الذل والخنوع…
هكذا أحدث الإمام الخميني زلزالًا سياسيًا غيّر كلّ الحسابات والمعادلات، ممّا أصاب قوى الاستكبار في العالم بالصدمة والذهول الأمر الذي دفعها إلى تخبط والارتباك وأفقدها الحكمة والصواب فانطلقت تحارب الثورة الإسلامية معتمدةً كلّ الوسائل والأساليب، وكلّ الخدع والألاعيب، وكلَّ الدسائس والمؤامرات..
وبعد هذا التاريخ الطويل من الحرب والمواجهة ضدَّ هذه الثورة أصبحت إيران في هذا العصر رقمًا كبيرًا في كلّ المعادلات الدولية والإقليمية وأصبحت عنوانًا حاضرًا في كلّ قضايا المرحلة…
تغمّد اللهُ الإمامَ الخميني بالرحمة والرضوان…


وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى