حديث الجمعةشهر ذي القعدة

العلاّمة الغريفي في حديث الجمعة (305): نحن أبناء هذه الأرض ولن نبحث عن أرضٍ أخرى ولن نغادرها إلى أيِّ كوكبٍ آخر

 


نحن أبناء هذه الأرض، ولن نبحث عن أرضٍ أخرى ولن نغادرها إلى أيِّ كوكبٍ آخر، ولا نريد لكلِّ شركائنا في هذه الأرض إلَّا البقاء فيها، والتنعم بخيرها، وأمنها…


إنَّ لنا تاريخًا في هذه الأرض امتدَّ في عمق الزَّمن…
ليس تاريخًا طارئًا ، ولسنا غرباء ولا دخلاء…
أجدادنا روَّوا هذه الأرض بكلِّ قطرةٍ من دمائهم ومن عرقهم، اقرأوا تاريخ هذا البلد، اقرأوا تراثه، لتعلموا كم هو حضورنا في هذا التاريخ، وكم هو حصيلتنا في هذا التراث… فتِّشوا عن القبور والمقابر لتشاهدوا شواهدها التي تحمل الأسماء الشاخصة الواضحة، ولتقرأوا ما خطَّ الأجداد عليها من كلمات الولاء لآل محمدٍ صلَّى الله عليه وآله… وأمَّا المساجد والحسينيات فهي وثائق صارخة ضدَّ كلِّ من يشكِّك في أصالة أبناءِ هذه الطائفة، وليس غريبًا أن تمتدَّ محاولات العبث والطمس لتطال معالم شاخصة من مقابر ومساجد ومدارس من أجل أن يزوَّر تاريخ هذا البلد، ومن أجل أنْ تغيَّر هويته، وأذكر أنَّه قبل عدَّة سنوات تشكَّلت لجنة من باحثين متخصِّصين لكتابة موسوعة تراثيَّة تؤرِّخ لهذا البلد، اللجنة ضمَّت عددًا كبيرًا من المعنيين بهذا الشأن وإنْ كان نصيبنا في هذه اللجنة لا يتجاوز اثنين أو ثلاثة وهكذا نصيبُنا دائمًا… اللجنة مشكَّلة بأمرٍ من السلطة، بدأت مشوارها في العمل لإنجاز هذه الموسوعة التراثيَّة، ولقد كان للعدد القليل من أبنائنا الذين شاركوا في هذه اللجنة الدور المشرف، وفيما بذلوه من جهدٍ مشكور وما فرضوه من قناعاتٍ ثبَّتت الكثير من الحقائق، وأنهت اللجنة مهمَّتها، وأنجزت مشروعها، وقدَّمته للجهات المعنية في السلطة، وتفاجأت اللجنة بقرار إيقاف المشروع، وواضح لماذا هذا القرار…


سوف يبقى كلّ شبر في أرض البحرين شاهدًا على أصالة انتمائنا إلى هذه الأرض، وإذا كنَّا نعتزّ لهذا الانتماء لا من أجل أنْ نقدِّس حفنةً من التراب، وإنَّما لأنَّ هذه الأرض قد كان لها شرف السَّبق في انتسابها للإسلام، فقد أسلم أهل البحرين طوعًا وبلا قتال وفي مرحلةٍ مبكِّرة، ثمَّ إنَّ حبَّ الوطن من الإيمان كما في بعض الأحاديث، و روي عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنَّه قال: «عمرت البلدان بحبِّ الأوطان»، وعنه عليه السَّلام: «من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحفظه قديم إخوانه».


لذا كان الدفاع عن الوطن مسؤولية شرعية، ففي الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله: «إنَّ الله يبغض رجلًا يدخل عليه في بيته ولا يقاتل».


إنَّ حقَّ البقاء في الوطن حقٌ لا يجوز التعدِّي عليه أبدًا؛ جنايةٌ كبرى أن يمنع إنسانٌ من دخول وطنه، وجناية كبرى أنْ يبعد إنسان عن وطنه..
• قال تعالى:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. (الممتحنة/ 9)


ربَّما يضطر الإنسان أنْ يهجر وطنه، حينما يواجه ظلمًا ولا يملك قدرةً في أن يردَّه؟، أو يواجه حصارًا يصادر حريته ولا يقوى على كسره، أو يواجه تمييزًا يسلب كلَّ حقوقه ولا يستطيع أن يُسقطه، أو يواجه امتهانًا لدينه وشعائره ومقدَّساته ولا تتوفَّر لديه إمكانية أن يتمرَّد عليه، أو يواجه ضنكًا في رزقه أو معيشته ولا خيار له في الحروج منه…
هنا تكون الهجرة والغربة خياره …
• قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«لا خير في الوطن إلَّا مع الأمنِ والسرور».
• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«شرّ الأوطانِ ما لم يأمن فيه القُطَّان».
• وقال عليه السلام:
«الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة».
• وقال عليه السَّلام:
«ليس في الغربة عار، إنَّما العار في الوطن الافتقار».
• وقال عليه السَّلام:
«خيرُ البلادِ ما حَمَلك».


سوف نبقى في هذا الوطن ما دمنا نملك القدرة أنْ نقاوم من أجل أنْ نبقى، ومن أجل أن نحيا أعزاء، ومن أجل أن نواجه كلَّ الظلم…


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى