قضايا الساحةقضايا محلية

كلمة العلامة الغريفي في الندوة الجماهيرية التي أقيمت بمأتم السنابس حول التعدي الصارخ على بيوت الله من قبل النظام

[المساجد لله]


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الهداة الميامين وبعد:


فحينما تُستهدَفُ طائفةٌ في أرواحِها وأعراضِها وأموالِها وفي مقدّساتِها وشعائِرها وخصوصياتها فهذا أمرٌ في غايةِ الخطورة له آثاره المدمرة على الأوطان…


وحينما نتحدثُ عن الاستهدافاتِ الطائفية، فهذه مسألةٌ لا يمكن أن نفهمها مفصولةً عن مأزقٍ أكبر هو المأزقُ السياسيّ، فما لم يعالج هذا المأزقُ معالجةً جذريةً حقيقيةً فسوف يبقى ينتج أزماتٍ وأزماتٍ، ومآزقَ ومآزقَ على كلّ المستويات…


وهكذا يمكن أن نجزم أنّ التأزمات الطائفية هي نتاجٍ لسياساتٍ خاطئةٍ، وليست تعبيرًا عن قناعاتٍ ورغباتٍ لدى الشعوب والتي غالبًا ما تعيش أجواءً من المحبّة والأخوة والتسامح..


وإذا كانت الأوضاعُ الراهنةُ في هذا البلد قد صنعت جوًّا مشحونًا بالهواجسِ الطائفية، فالسلطة تتحمل القسطَ الأكبرَ من أسبابِ إنتاجِ هذا الواقع.
كم هو مُرعبٌ جدًا أن يصلَ الإحساسُ وربّما القناعةُ لدى مكوّن كبيرٍ من مكوّناتِ هذا الشعب:
– أنّ ما يواجههُ من قمعٍ أمنّيٍ مصبوغٌ بحسّ طائفي..
– وأنّ ما يلاحقُه من استهدافاتٍ ومضايقاتٍ وحصاراتٍ واعتقالاتٍ كلّها مدفوعةٌ بنوازع طائفية…
– وأنّ ما يُصيبُه من بطشٍ وفتكٍ وقتلٍ محكومٌ بهوسٍ طائفي..


نتمنى أن لا يكونَ هذا الإحساسُ صحيحًا، وأن لا تكون هذه القناعة صائبة، غير أنّ الأمرَ الذي لا يلامسُه الشكُّ…
– أنّ في البلدِ تمييزًا طائفيًا..
– وأنّ في البلدِ خطابًا طائفيًا..
– وأنّ في البلدِ إعلامًا طائفيًا..
– وأنّ في البلدِ تجنيسًا طائفيًا…
– وأنّ في البلدِ استهدافًا طائفيًا..


كلّ هذا أنتج هواجسَ طائفيةَ مرعبة…
وما قصةُ المساجدِ إلاّ واحدة من قِصص الاستهداف الطائفي..
وما قصةُ المآتمِ والمواكبِ والشعائرِ إلاّ واحدة من قِصص الاستهداف الطائفي…
ثلاثون مسجدًا قد هدّمت وإزيلت بالكامل..
سبعةُ مساجدَ قد تعرضت للتخريب..
عشرةُ مآتمَ قد تعرضت للإنتهاكِ والعبث…
مقبرتان قد تعرضتا للتخريب….


 كيف يمكن أن نفسر كلَّ هذا، ليس مقبولاً إطلاقًا ما رُدّدَ من تبريراتٍ غير مقنعة؟!.
صحيح سمعنا أنّ هناك أوامرَ بإعادة بناءِ ما تمّ هدُمه وإزالتُه، إلاّ أننّا في الوقت الذي نحمّلُ الدولة مسؤولية إعادة البناء نُؤكّدُ على ضرورةِ محاسبةِ وتجريمِ ما حدَثَ من انتهاكاتٍ طالت مقدّساتٍ دينية، كما نطالب بتوفير ضماناتٍ تحمي هذه الشعائر والمقدّسات خاصة ونحن نسمعُ صيحاتٍ مسعورةً في كلّ يوم تحرّض ضدّ المآتم والمواكب والشعائر الشيعية…


وفي هذا السياق يأتي موضوع الأوقاف…
فقد أثارت الرسالة الموجَّةُ من وزارة العدل والشئون الإسلاميّة إلى إدارة الأوقاف الجعفرية بشأن وثائق تتعلق بدور العبادة الكثير من المخاوف والتساؤلات…


إنّ الوقوفات الشرعية لها خصوصياتها المذهبية، مما يفرضُ أن يكون شأنها شأنًا مذهبيًا، وقد سبق أن طرح العلماء مشروعًا يخصّ إدارة الأوقاف الجعفرية، حاول أن يحافظ على الخصوصية المذهبية لهذه الأوقاف، وحاول أن يوفّر إشرافًا علمائًيا، كما حاول أن يعالج آلية اختيار الجهاز الإداري لشؤون الأوقاف..


إنّ حماية الخصوصيةِ المذهبية لا يعني تكريسًا للحسّ الطائفي بل هو في سياق التصدّي لمشروعاتِ التأزيم الطائفي التي باتت تهدد أوضاع هذا الوطن..


إننا نرفض بقوة أي شكلٍ من أشكالِ العصبية الطائفية البغيضة، ولن نكون في أيّ يومٍ من الأيام أداةً لإنتاج هذه العصبيةِ المدمّرةِ التي تمزّقُ النسيج الاجتماعي، وتفتّت الوحدة الوطنيةَ وتوتّر الأجواءَ الدينيّةَ والسّياسيّة، وتدفعُ إلى الصراعاتِ والصدماتِ والمواجهاتِ، وربّما قادت إلى حالاتٍ من التطرفِ والعنفِ وسفكِ الدماءِ وإزهاقِ الأرواحِ وتدميرِ الأوطان، وحرقِ الأخضرَ واليابسَ…


• في الحديث عن نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة بعثه الله يومَ القيامةِ مع أعراب الجاهلية»(1 ).
العصبيّة المذمومة انحيازٌ للذات، للجماعة، للحزب، للطائفة بعيدًا عن معايير الحق والعدل والإنصاف.


• سئل الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن العصبيّة فقال:
«العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجلُ شرارَ قومِهِ خيرًا من خيارِ قومٍ آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجلُ قومَهُ، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم»(2 ).
نفهم من هذا أنه ليس من العصبيّة الإنحياز إلى الحقّ والعدل، والإنتصار للمظلوم…
• قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
«إن كنتم لا محالة متعصبيّن، فتعصبّوا لنُصرة الحقّ وإغاثة الملهوف»(3 ).


خلاصة ما أود قوله:
أنّ النهج الطائفي أمر مدمر لهذا الوطن، وأمّا الخلاص من هذا النهج الخاطئ ومن كلّ مآزقَ وأزماتِ الوطن فمن خلال إصلاحٍ سياسيٍ حقيقي، وليس من خلال تغيير مُرقَّعٍ، وليس من خلال برلمانٍ مُهَّمش، وليس من خلالِ حوارٍ مُدَجَّن، وليس من خلال وعودٍ مُخَدِّرة ومُخَدِّرة، وليس من خلال مبادراتٍ مُتعثرة..


لسنا مُحرضّينَ، ولا دعاةَ فتنةٍ وعنف، وإنّما طُلاّبُ حقٍّ وعدلٍ وإصلاحٍ، وهذا أمر مشروعٌ لكلّ الشعوب، فلا خيار إلاّ الإصلاح السّياسيّ، أمّا العنف فلن يزيد الأوضاع إلاّ تعقيدًا وتأزيمًا وانفلاتًا…


سوف يبقى صوتُنا صارخًا مصّرًا على الإصلاح الحقيقي الذي ينقذ هذا البلد من مآزقه وأزماته وتوتّراتِه وصراعاتِه، ونرى أنّ الصمتَ – ما دام الإصلاحُ المطلوبُ غائبًا- ظلمٌ فاحشٌ فاحش لن يغفره الله، ولن تغفره الأجيال….


وحينما نتحدّث عن الصوتِ الصارخ، فنتحدّث عن كلّ الأساليبِ السلميةِ المشروعةِ القادرةِ على الضغط في اتجاه الإصلاحِ والتغيير، إنّ شعبًا يبحث عن عزّته وكرامته وحقوقه لا يمكن أن يصمت وأن يساوم وأن يتنازل مهما كلّفه ذلك أثمانًا باهضة…


فمن الحكمةِ كلّ الحكمةِ، ومن العقلِ كلّ العقل أن تمارس الأنظمةُ الحاكمةُ إصلاحاتٍ سياسّيةٍ حقيقية تستجيب لإراداتِ الشعوب، ولمطالبها العادلة، وحقوقها المشروعة، لكي لا تكلّفَها الكثيرَ الكثيرَ من الإرهاقاتِ المتعبةِ، والأثمانِ الباهضة، وتكلّف بالتالي الأوطان مزيدًا من الأزماتِ والاحتقاناتِ والتوتراتِ، وخسران الأمن والأمان، والرخاء والإزدهار….


المعادلة صريحة وواضحة وقاطعة:
إصلاحٌ سياسيٌّ حقيقيٌّ يساوي أمنًا وأمانًا، ويساوي رفاهًا ورخاءً، ويساوي ثقةً ومحبّةً وتسامحًا، ووحدةً وتآلفًا وتقاربًا… والخيار الآخر نتائجه أخرى…


فأيّ الخيارين أولى يا أنظمة الحكم؟





(1) الكليني: الكافي 2/ 308، باب العصبية، ح3. (ط5، 1363ش، دار الكتب الإسلاميّة، طهران).
(2) المصدر نفسه: 2/ 308، باب العصبية، ح7.
(3) الواسطي: عيون الحكم والمواعظ، الفصل 13.
 































































اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى