حديث الجمعة 153: الحصار الفكري والثقافي لقضية الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجة الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتابع الحديث حول مسألة الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه، تناولنا في الأسبوع الماضي الحصار السياسي نتناول، هذه الليلة نتناول الحصار الفكري والثقافي.
ثانيا: الحصار الفكري والثقافي
واجهت قضية الإمام المهدي المنتظر حصاراً فكرياً وثقافياً متنوعاً، ومن أبرز أشكال التصَّدي الفكري والثقافي لهذه القضية:
أ. محاولات الإنكار لمسألة الإمام المنتظر، هذه المحاولات اتجهت إلى إلغاء الفكرة من أساسها، ورفض الاعتراف بها، وإنكار وجودها ضمن منظومة المفاهيم الإسلامية واعتبارها فكرة دخيلة.
هذه المحاولات فشلت، لأنها لا تحمل سنداً علمياً، ولا أنها اصطدمت بكم هائل من الروايات والأحاديث المدونة في أهمية مصادر المسلمين السنة والشيعية والتي أكدًت بكل وضوح على قضية الإمام المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله الذي يظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وقد تصدىّ للرد على هذه المحاولات وإبطالها علماء كبار من مختلف المذاهب الإسلامية، كونها قضية يؤمن بها كلّ المسلمين إلا من شذ.
اصدر أحد القضاة في قطر كتاباً أسمه ” لا مهدي منتظر بعد الرسول سيد البشر” حاول فيه إنكار الأحاديث الثانية حول المهدي المنتظر وقد تصّدى لهذا الكتاب أحد أساتذة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فأصدر كتاباً بعنوان ” الرد على من كذّب المهدي المنتظر”.
إذن محاولات التشكيك والإنكار لمسألة الإمام المهدي المنتظر لا تجد أرضية مقبولة لا في الأوساط السنة ولا في الأوساط الشيعية.
ب. ومن أشكال التصّدي الفكري والثقافي محاولات التحريف للفكرة، وتشويش الصورة الصحيحة لها، هذه المحاولة انطلقت بعد فشل المحاولة الأولى، فالأعداد الهائلة من الروايات والأحاديث لا يمكن إلغاءها أو تجاوزها فلا بد من أسلوب آخر وهو الالتفاف حول القضية، والانحراف بها عن مسارها الصحيح، واطرح هنا بعض الأمثلة لهذه المحاولات:
المثال الأول
إضافات تدليسية:
لقد تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: ” المهدي من ولدي أسمه أسمي وكنيته كنيتي ” هذا ما أكدّاه مصادر الحديث المعتمدة عند المسلمين بكل فرقهم، وهنا جاءت محاولات الدس والتحريف فأضافت للحديث بعض كلمات بهدف التشويش والإرباك، فوجدنا من يروي الحديث على النحو التالي: “المهدي من ولدي، أسمه أسمي، وكنيته كنيتي، واسم أبيه اسم أبي “.
وفق هذه الصيغة المزوّرة يكون أسم المهدي ” محمد بن عبد الله” وليس “محمد بن الحسن” وقد ناقش رجال الجرح والتعديل من أئمة الحديث هذه الصيغة وأثبتوا زيفها وكذبها وأنها تتعارض مع صيغة الصحيحة المشهورة وهي خالية من الإضافة التدليسية.
المثال الثاني
وفق الروايات الصحيحة والمتواترة أنّ الإمام المهدي المنتظر من ذرية الإمام الحسين ، هنا جاءت محاولات التحريف لتؤكد أن الإمام المهدي المنتظر من ذرية الإمام الحسن وليس من ذرية الإمام الحسين، ومن أطرف التعليقات التي ساقها البعض لتأكيد هذا الإدعاء: بأن الإمام الحسن تنازل عن الخلافة، فعوضه الله تعالى، بأنّ جعل المهدي المنتظر من ذريته، أمّا الإمام الحسين فقد طالب بالخلافة فحُرم من هذا العطاء ، هذا الكلام يخرّص بلا دليل، ولا يحتاج إلى مناقشة.
المثال الثالث
الإدعاء بأن الإمام المنتظر شخصية تولد في آخر الزمان وليس هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، أيّ ليس هو (محمد بن الحسن) الذي ولد سنة (255 للهجرة) كما يعتقد بذلك الشيعة الإمامية.
ولعل هذه الاتجاه هو الذي هيمن عل الذهنية السنية، وأصبح من المسلّمات عندهم، ولعلمائنا دراسات موسعة ومعّمقة ناقشت هذا الاتجاه، وأثبتت بالأدلة والبراهين القاطعة ولادة الإمام المهدي وغيبته، كما ناقشت كلّ الإشكالات المثارة حول عقيدة الغيبة والانتظار، ولنا في ذلك دراسة مفصّلة بعنوان ((الإمام المهدي .. قراءة في الإشكاليات)).
ج. ومن أشكال التصدي الفكري:
– إثارة الإشكالات والشبهات:
• إشكال الغيبة
• إشكال العمر الطويل
• إشكال الانتظار
• إشكالات أخرى
إشكالية العمر الطول:
المسألة يمكن أن نستوعبها من خلال مجموعة أدلة أشير هنا إلى بعضها:
الدليل الأول:
لا يوجد دليل علمي يمنع إمكانية بقاء الإنسان حياً لمدة طويلة تتجاوز العمر المألوف، بل المحاولات العلمية تتجه لإثبات إمكانية أن يعيش الإنسان لمدة أطول من العمر المألوف إذا استطاع أن يكوّن لنفسه مواصفات موضوعية تحميه من المؤثرات الخارجية.
ولا يتنافى هذا مع (مسالة الأجل) وهي من المسلمّات الإيمانية.
إن (الأجل) خاضع لشروط موضوعية، وإلاّ كيف يمكن أن نفهم الروايات التي تؤكّد إمكانية طول العمر وقصره نتيجة للقيام بعض الأعمال والممارسات:
– الصدقة تحفظ الإنسان.
– صلة الأرحام تطيل الأعمار.
– قطيعة الرحم تخزم الآجال.
– الدعاء يدفع البلاء.
– تناول بعض المأكولات والمشروعات يسرع بالآجال.
صحيح أنّ كلّ المؤثرات في الأجل هي خاضعة لعلم الله تعالى، فالحصيلة النهائية لعمر الإنسان ثابتة في اللوح المحفوظ عند الله تعالى.
نتابع الحديث في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين