حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة109: لا حيادية في التصدي لقانون أحكام الأسرة – أساليب التصدي والمواجه ليست أمر متروكا للأمزجة الفردية والإنفعلالات الذاتية

بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد…


لا زال ملف أحكام الأسرة هو الملف الأكثر سخونة، والأكثر حضورا، والأكثر استقطابا لاهتمامات الشارع البحراني، ولا زالت التداعيات التي فجرها الموقف الحكومي في إحالة المشروع إلى مجلس النواب تتحرك وتتحرك على كل المستويات، ولا زلنا في حاجة إلى مزيد من الكلام، والى مزيد من المواقف، إن موضوعا خطيرا جدا في مستوى موضوع الأحكام الأسرية لا يسمح لنا بالصمت، ولا يسمح لنا بالحياد، ولا يسمح لنا بالمداهنة.
لقد قلنا بكل وضوح أن مسؤوليتنا أن نتصدى لهذا المشرع الذي يحاول أن يمرر قانون الأحكام الأسرية بلا ضمانا، إن مسؤولية كل الغيارى على دينهم من أبناء هذا الشعب أن يتصدوا إلى هذا المشروع بكل إصرار، وقوة، وثبات، هذه تكليفهم الشرعي والديني، المسألة لا تنطلق من حسابات سياسية، ولا من أي حسابات ذاتيه لأنه التكليف الشرعي والديني الذي يفرض علينا جميعا أن نقول الكلمة الرافضة وان نعلن الموقف الرافض، لا مجال للصمت والحياد، إن الصامتين يعطون للمشروع قوة الحركة وقوة النجاح… إن الصمت يمثل ضعفا وانهزاما في مواجهة الأوضاع الخاطئة والأوضاع المنحرفة، ولا شك أن هذا الضعف يشكل خللا كبيرا في انتماء الإنسان الديني.
• جاء في الحديث عن رسول الله(ص) أن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له ، قالوا ومن المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال: الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر.
وهل هناك اشد خطرا من مشروع يضع أحكام الله في معرض العبث والتلاعب والتغيير والتحريف؟ وإذا كانت بعض المنكرات الفردية يشترط في التصدي لها “الأمن من الضرر” فان المنكرات التي تهدد الدين يسقط معها هذا الشرط ، إن مواجهة منكرات من هذا النوع تفرض على الإنسان أن يسترخص في سبيلها كل شيء، نعم إن أساليب التصدي والمواجهة ليست أمرا متروكا للأمزجة الفردية، والانفعاليات الذاتية، انه القرار الواعي الذي تتخذه القيادات الدينية الأمينة والصالحة، كلما كان القرار أكثر خطورة كانت الحاجة إلى موقف القيادة الدينية اشد واقوي.


من المؤسف أن نسمع في هذه الأيام مقولات تحاول أن تفصل جماهير الأمة عن المرجعية الدينية وعن امتداداتها العلمائية، لا أتحدث هنا عن مقولات علمانية أو مقولات لا دينية، أتحدث عن مقولات تتردد في داخل الأوساط المتدنية.
إننا لا نتهم هؤلاء وإنما هي الرؤية الخاطئة المغلوطة حينما تتصور أن من حق أي إنسان يملك كفاءة ثقافية وكفاءة سياسية وكفاءة اجتماعية أن يتصدى للقرار السياسي مهما كان حجم هذا القرار ومهما كانت تبعاته، من دون حاجة إلى استنطاق رأي المرجعية الدينية والقيادة العلمائية، مادام هذا القرار يخص الشأن السياسي، والشأن الوطني، ولا يخص الشأن الديني، لا شك أن تصورا من هذا النوع يشكل خطرا كبيرا على حركة الإنتماء الديني لدى جماهير الأمة، ويضعها في خط الانفلات والمصادرة والاستلاب.
إننا نؤكد على ضرورة أن يكون للنخب السياسية دورها الكبير في قراءة الواقع السياسي، وفي دراسة الخيارات السياسية،  وفي تنضيج القرارات السياسية، ومن الجور على هذا النخب أن نسلبها هذا الحق، ولكن يبقى القرار السياسي الذي يحدد موقف الأمة؟، ويحدد خيار الأمة، فيما يفرضه هذا الموقف ، وهذا الخيار من مسؤوليات قد تصل إلى حد بذل الدم، وفيما يرفضه من نتائج لها تأثيراتها الخطيرة على حاضر الأمة وعلى مستقبلها…. يبقى هذا القرار في حاجة إلى روية فقهية جدا، وفي حاجة إلى قناعة دينية صريحة، وفي حاجة إلى غطاء شرعي واضح، هذا الموضوع قد نشبعه حديثا في فرصة أخرى إن شاء الله.


أعود مرة أخرى للحديث عن موقف الصمت والحياد من مشروع قانون الأحكام الأسرية الذي لا يحمل الضمانات التي تحمي الأحكام .


هذا الموقف مرفوض كل الرفض، لا مجال للصمت في مثل هذه المنعطفات الخطيرة، ولا مجال للحياد حينما تكون أحكام الله مهدده.
كثيرون يستمرءون الحياد، كونه لا يكلفهم بذلا، ولا عناء، ولا صراعا، ولا مواجهة، وبذلك يخذلون الحق، ويخذلون المبادئ، ويخذلون مواقف التصدي والمواجهة، ويعطون الباطل فرصة الحركة، وفرصة الإمتداد ، وفرصة الاستقواء.
في معارك الحق والباطل لا حياد…
في معارك المبادئ والقيم لا يجوز الوقوف على التل…
الوقوف على التل في هذه المعارك انتهازيه، هروب، خيانة…
• في معركة صفين بين علي ومعاوية، كان أحدهم-وهو شخصية كبيرة- إذا أقيمت الصلاة انحاز إلى معسكر علي بن أبي طالب ليقف في صفوف المصلين خلف علي عليه السلام، وإذا حان وقت الأكل والطعام أنظم إلى موائد معاوية ليأكل ما لذ وطاب، وإذا أنشب القتال وقف على التل يتفرج، وسئل عن ذلك فقال قولته المعروفة:”الصلاة مع علي أتم، والأكل مع معاوية أدسم، والوقوف على التل أسلم”
لقد أصبت هذه المقولة مبدأ لكل الانتهازيين والنفعيين في كل زمان، كم في عصرنا من هؤلاء؟ كم في عصرنا ممن يصلون مع علي ويتربعون على موائد معاوية، ويختارون الوقوف على التل حينما تكون المعركة؟
يجب أن نحاسب مواقفنا ، وان نحاسب قراراتنا، وان نحاسب خياراتنا، و إذا كان الواقفون على التل كثيرون، فأن هناك صنفا آخر هم المداهنون، هذا الصنف من الناس يحملون في داخلهم قناعة بأن مشروع الأحكام الأسرية الحكومي مشروع خطير، وفيه مصادرة  واضحة لإدارة هذا الشعب، ولموقف العلماء.
إلا أن هؤلاء لا يكتفون بالصمت والحياد، وإنما يداهنون الموقف الرسمي، ويجاملون الموقف الرسمي، ويباركون الموقف الرسمي، متجاوزين بذلك كل قناعاتهم الداخلية، طمعا في منصب أو موقع أو جاه أو مال، إن المداهنة على حساب المبادئ سلوك خطير ومدمر ، وان المداهنين هم مصلحيون، أوهم جبناء، من هؤلاء من ينطلق في مداهنته من موقف الضعف والجبن والانهزام،  لقد نددت نصوص الدين بظاهرة المداهنة، والمجاملات لأهل الباطل والمعاصي.
• جاء في الحديث: أوحى الله إلى شعيب النبي أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألف من شرارهم ، وستين ألف من خيارهم، قال شعيب: يا رب هؤلاء الأشرار، فما ذنب الأخيار؟ قال الله سبحانه: لقد داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي”.
ما أحوجنا إلى الغضب من أجل الله، إنها الغيرة الإيمانية الصادقة، انه الحماس الصادق من أجل المبادئ، وحينما نتحدث عن الغضب، والغيرة، والحماس، لانتحدث عن الإنفعالات المنفلتة، لانتحدث عن عواطف تتحرك على غير بصيرة وعلى غير هدى، لا نتحدث عن هيجان غير مدروس…
لا نريد غضبا لايملك حكمة…
ولا نريد غيرة لا تملك بصيرة…
ولا نريد حماسا لا يملك عقلا…
ولعل البعض يتبادر إلى ذهنه من الحكمة والبصيرة والعقل هو تلك الأساليب المسترخية، الضعيفة، المستسلمة، الأمر ليس كذلك، فقد تفرض الحكمة والبصيرة والعقل أن تكون الأساليب هادئة جدا، والهدوء لا يعني الاسترخاء والضعف والاستسلام فرب موقف هادئ يحمل عنفوانا وصمودا وصلابة، ولرب موقف هادئ هز أنظمة وكيانات، وما أكثر المواقف الصاخبة التي في داخل كل الخواء والضعف والانهزام، وما أكثر المواقف الصاخبة التي تحمل في داخلها كل الخواء والهدوء والضعف والانهزام، وما أكثر المواقف الصاخبة التي تهزأ بها الأنظمة والكيانات، وربما تخطط الأنظمة لاستنفارات صاخبة من أجل امتصاص الحماس الحقيقي لدى الشعوب والغضب الحقيقي لدى الجماهير، فليس كل استنفار يمثل قوة، وليس كل ضجيج يمثل عنفوانا، وليس كل صراخ يمثل صمودا، وقد تفرض الحكمة والبصيرة والعقل أن تكون الأساليب ساخنة جدا ، ولكنها السخونة التي تحسب لكل النتائج ، وتملك القدرة أن تحكم كل المواقف، وليست السخونة الطائشة، وليس الغليان المنفلت، وهنا يكون التحدي الحقيقي، وهنا يكون الرفض الواعي، وهنا تكون المواجهة المدروسة، وهنا يكون القرار الصائب.
انه من الجناية على الخيارات الأصيلة، والأساليب الفعالة، والمواقف الحقيقية، أن تحرك خيارات مرتجلة، وأساليب مرتبكة، ومواقف مهزوزة…
أنه من الجناية على الملفات الخطيرة أن تعالج بانفعالات فارغة ، وضجات خاوية… إن ملفت في مستوى خطورة ملف الأحكام الأسرية، وملف الدستور، وملف التجنيس، وملف التمييز، وملف البطالة، وملف الفساد الإداري، والفساد المالي، وملف المشروعات المناهضة للدين والقيم والأخلاق، وملف ضحايا التعذيب، وملف القوانين الجائرة، ملفات في هذا المستوى لا يجوز أن تصادرها أساليب انفعالية منفلتة، ومواقف ارتجالية مرتبكة، وممارسات غير محسوبة. ما يحدث هذا الأيام في الشارع البحراني، وما يسميه الإعلام الرسمي بالعبث التخريبي، في وقفة وقراءة، إننا بلا شك ضد أي شكل من أشكال العبث والتخريب، وضد أي شكل من أشكال الفوضى والتخريب، وضد أي شكل من أشكال الفوضى والانفلات، وضد أي شكل من أشكال المس بأمن الوطن واستقراره، هذا من ثوابتنا التي نصر عليها، وكذا فنحن نعتبر بعض الممارسات التي تحدث تحمل شكلا من أشكال العبث والفوضى  والانفلات، وإننا لا نستطيع أن نتهم هؤلاء الشبان أنهم ينطلقون من نزعة العبث والتخريب والفوضى والانفلات، ولا نستطيع أن نتهمهم أنهم وراء كل حوادث التخريب، وعلى كل حال فنصيحتنا المخلصة لأبنائنا وشبابنا أن لا يتورطوا في أساليب ضارة وأن لا يتورطوا في أعمال غير مسؤوله، وفي الوقت ذاته فأننا نحمل الحكومة مسؤولية الكثير مما يحدث في الساحة، ثم أن الأحكام الجائرة على معتقلي حوادث المطار كانت عاملا قويا في إنتاج هذه الأوضاع والتداعيات.
إن الخلل في معالجة الأمور سبب مزيدا من التشنجات والاحتقانات والتأججات، فإذا أصرت الحكومة على المعالجات الخاطئة، وأصرت على إغلاق أبواب الحوار فإن الأوضاع سوف تتعقد أكثر وأكثر، وإن الأزمات سوف تشتد أكثر، إن مواجهة الأمور بالعنف والاعتقالات، والسجون لن يعالج الأوضاع، ولن يخلص البلد من الأزمات.
من موقع الإخلاص لهذا الوطن وأمنه واستقراره دعونا ولا زلنا ندعوا أن تتفهم السلطة طبيعة الأزمات، ودعونا ولا زلنا ندعو أن تفتح السلطة أبواب الحوار مع كل القوى الدينية والسياسية هذا هو الخيار الأسلم، وإلا فالخيارات الأخرى سوف تحمل هذا الوطن الكثير الكثير من الأتعاب والعناءات الباهضة.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


استمع لحديث الجمعة 109

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى