الحسينُ زفرة لن تهدأ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسَّلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
الحسينُ زفرة لن تهدأ
الحسين دمعة لن تجف..
الحسين آهة لن تصمت..
الحسينُ دمعةً وآهة وزفرة..
الحسينُ بسمة ُ الأمل لـ ترفُ على شفة الحياة..
الحسينُ ومضةُ الفجرِ تسكبُ النورَ في دنيا الانسان..
الحسينُ صوتُ الحقِ يلامسُ كلَ ضمير..
الحسين عنوانُ العدلِ يخاطبُ كلَ جيل ..
الحسينُ انشودةُ النصرِ على فمِ الزمن..
الحسينُ إمتدادُ الرسالات..
الحسين وارث الأنبياء.
ودمُ الحسينِ وَقْدةُ الثورةِ تهزّ عُروَشَ الظالمين..
دمُ الحسينِ صَرْخةُ الصُمودِ تتحدّى جَبَروُةَ الطُغَاة..
دمُ الحسينِ إرادةُ الأحرارِ تخطُ دربَ الطُغَاة..
دمُ الحسينِ نغمةُ الشهادةِ على فمِ الثائرين..
دم الحسين وثيقة الأدانة لكل صنّاع الجريمة في الأرض ،
لكل المتخاذلين ،
لكل المساومين ،
لكل المتاجرين بقضايا الأسلام وبقضايا الأمة .
وكربلاءُ الخلود..
كربلاءُ قِبلةُ الشموخ..
كربلاءُ وَحيُ مدرسةُ الجهاد..
كربلاءُ العنفوانُ والموقف .
وعاشوراءُ يوم في دنيا الأحزانِ خالد..
عاشوراءُ يوم في دنيا المأساةِ يتجدّد..
عاشوراء يومُ الدموعِ والعبرات..
عاشوراءُ يومُ الآهاتِ والحسرات .
سرُّ الدمعة والآهة
لماذا نجْرُْ للذكرى عبرَ الدموع ؟
لماذا نحرقُ القلبَ بالآهات والحسرات ؟
لماذا ندفنُ النفسَ في دنيا الأحزان ؟
لماذا نشرب كؤوس النصرِ مترعةً بالآسى والالام ؟
لماذا نحّول البسمةَ الخضراءَ إلى فيضٍ من الزفرات ؟
لماذا لا نفرشُ الدربَ بالأزاهير؟
لماذا لانسكب العطر ؟
أليست كربلاءُ عرسَ الإنتصار، إنتصارَ الدم على السيف ؟
فلماذا الدموعُ والآهات والأحزان ؟
الدمعةُ فيضُ الحبِ قي القلوب ،
الدمعةُ شُحنةُ الانصهار والذوبانِ والتلاحم ،
الدمعة زخمُ العاطفةِ تحركُ الهمَم والعزائم ،
الدمعةُ حرارةُ النبضِ توقظ الوعي والفكر ،
الدمعةُ روحُ الحركةِ والديمومةِ والبقاء .
بصيرةٌ لا تخطأ الحقيقة
الإمام الحسين كان على بصيرةٍ وهو يقدّمُ أطروحة النصر مكتوبةً بأحرفٍ من دماء..
الإمامُ الحسينُ كان على بصيرةٍ وهو يرسمُ لثورتةِ طريقهَا عبرَ جثثٍ وأشلاءِ..
الإمامُ الحسينُ كان على بصيرة وهو يستنفرعناصرِ المأساةِ في أحداثِ كربلاء..
فالعاطفة الغَاضِبَةُ المتُفَجرةُ يجبُ أن تبقى ،
مادامت الذكرى الفاجعةُ تحملُ على اكفِ الزمنِ
أشلاءَ القتلى المضرجين بالدماء..
العاطفةُ الغَاضِبَةُ المُتَفجرةُ يجبُ أن تبقى ،
مادامت ذاكرةُ التاريخِ تحتضنُ صورَ المأساة..
العاطفةُ الغَاضِبَةُ المُتَفجرةُ يجتُ أن تبقى ،
مادام ضميرُ الزمن يَئِنُّ من قَسَاوَةِ الجرعِة..
العاطفةُ الغَاضِبَةُ المُتَفجرةُ يجب أن تبقى ،
مادامت كلماتُ الإمامِ الحسينِ تخاطبُ الأجيالَ تُلوَ الأجيال..
ومادامتْ كربلاءُ تتكررُ وتتكرر ،
ومادام يزيدُ يحكم في الأرض .
وبدأ القدر الدامي
في العاشرِمن المحرمِ وفي العامِ الواحدِ والستين للهجرة
وهناكَ هناك على أرض كربلاء ،
وقف السبطُ الحسينُ بنُ علي…
وأمامَ الحسينِ أصطفتْ حشودُ الضلالِ
تزدحمُ في داخلِها كلُ معانيِ الخِسةِ والحقارة ،
وتأصلتْ عندها قيمُ الجاهلية…
فقررت أن تثأرَ لتاريخها الموتور ،
وصممّت أن تقتلَ الحسين !!
وقف السبط ُ الحسينُ يتأملُ هذة الحشودَ المضللة ،
ارتسمت على شفتيه إبتسامة ، وتندّت في مقلتيةِ دمعة…
إرتسمت على شفتيهِ إبتسامةٌ ..
إنّها إبتسامةُ التحديِ والشممِ ،
فما كان شبلُ عليٍ يرهبُ الموت…
وخوّفه بالموتِ قَُوم متى دَرَوُا
بأنَّ حسيناً من لِقا الموتِ يرهبُ
وقامت تصادي دونَه هاشميةٌ
تحنُّ إلى وصـلِ المنايا وتطربُ
وتندّتْ في مقلتيهِ دمعة ..
إنها دمعةُ الرحمةِ لهذه الكتلِ البشريةِ التائهةِ ،
المثقللةِ بالضلال ِ،
والتي تخطُ بيدِها مصيرَها إلى النارِ…
إستقبل القومَ بوجهٍ ترتسمُ عليه بقايا أملٍ…
وأرسل كلماتهِ الحانيةَ ،
علّها تعثرُ بينَ تلك القلوبِ المغلقةِ
على صـُبابة من ضميرٍ
لازال يهفو إلى نورِ الهداية…
” انْشِدُكُمَ اللهَ أنسبوني من أنا؟ ”
-أنت الحسين ُ سبط ُ رسولِ الله .
” انشدكم الله هل تعلمونَ أنَ أمي فاطمة بنت محمد؟ “
-اللهمّ نعم.
” انشدكم الله هل تعلمون أنّ أبي علي بن ابي طالب؟ “
-اللهمّ نعم.
” انشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيفُ رسولِ الله أنا متقلُده؟ “
-اللهمَّ نعم.
” فبمَ تَسْتَحلونَ دمي؟!! “
-قد علمنا ذلك كلَّه ، ونحن غيرُ تاركيكَ حتى تذوقَ الموتَ عطشاً .
….. إنّها قلوبٌ استحوذ عليها الشيطانُ فأبت الاِّ الضلال …..
شموخٌ وصمود
وقف الحسينُ في شموخٍ وثبات ،
ووقفتْ معه قلةٌ مؤمنة ….
وجاهدَ بين يديه أنصارُ العقيدة..
حملوا الأرواحَ فوقَ الأكفِ ،
لبسوا القلوبَ دروعاً شوقاً إلى الجنان ِ..
تساقطوا قرابينَ من أجل الله ،
فاحتضنهم الزمن مشاعلَ هداية..
وهكذا عانَقُوا ثَرى كربلاء…
وبقي الحسينُ بنُ فاطمة فرداً وحيداً ،
وشفتاه تتمتانِ بكلماتٍ كئيبةٍ :
” أما من مغيثٍ يُغيُثنا .. أما من ذابٍ يذبُّ عن حرمِ رسولِ الله “
فلا يجاوبه الاّ:
صدى نسوةٍ نوائح ،
وآهاتُ صبيةٍ باكيات ،
وصراخُ أطفالٍ ظماءٍ إلى قطرة ماء ،
وأنّات عليلٍ يذوبُ أسى وألماً ،
وحشراتُ ارواحٍ تحتضر ،
وصهيلُ خيولٍ جوامح ،
وبريقُ سيوفٍ لوامع ،
وصبيبُ سهامٍ طوائش…
وداعٌ لا ينساه الزمن
وابنُ الزهراءِ فردٌ وحيد ،
أسلم نفسه لقضاءِ الله
ثمّ حمل خطاه إلى خيم الرسالة…
ليلقي نظرةَ الوداع على بناتِ الرسالةِ فتنادين ينادين:
الوداع الوداع…
نساءٌ والهاتٌ ذاهلاتٌ باكيات..
وتلملمت حوله صبيةٌ وصبايا ضامئات
أبتاه أريد ماء ً،
عمّاه أريدُ ماء ً،
سيّداه أريدُ ماءً…
وتناهت إلى سمعِ الحسين من جوفِ خيمة أناتٌ خافتةٌ ،
إنّه عليل كربلاءَ تراكمت عليه الآمٌ وآهاتٌ وأرزاء…
وطاف الحسينُ تطوافَ الوداع..
وسكب دموع الوداع
وأرسل نظرة الوداع
وقال: الوداع الوداع…
فتنادين بناتُ الرسالةِ ينادين الوداع الوداع…
وصمّم الحسين على الموت…
والتفت بنظرات ولهى فقال: من يقدّم لي جوادي ؟
وجاءت الحوراءُ زينبُ
تقود جوادَ الموت إلى أخيها الحسين ،
استوى الحسينُ على صهوةِ الجوادِ..
تحرك مشدوداً إلى عرسِ الشهادةِ ،
إلى عشقِ اللقاءِ مع الله..
وإذا بصوت مبحوحٍ مُثقلٍ بالأسى والحزنِ يلامسُ سمع الحسين:
قف لي يا ابن أمي يا حسين….
إنّه صوتُ الحوراء زينب…
وقف الحسين أمام أخته الحوراء مشدوداً بنظراته الوالهة
إلى عينيها الواجنتين ،
ماذا تريد ابنة الزهراء…..؟
فما كان منها إلا أن هوت على نحره الطاهر ،
وعلى صدرهِ المقدّسِ لتطبع قبلتين حارّتين ،
وارتسمت على شفتيها علاماتُ الهدوءِ والإطمئنان ،
ثم أرسلت نظرةً بعيدةً بعيدة
صوبَ مثوى أمِّها الزهراءِ قائلة:
أمّاه فاطمة أدّيتُ الأمانة .
رحيلُ ابن الرسالة
وسار الحسينُ إلى الموت ،
وكانت لحظة..
وقف الكونُ عندها رهبة…
وخالجتْ قلبَ الزمنِ سكتة..
وبعد قتالٍ رهيبٍ رهيب ،
هوى الطودُ الأشمُ حسينُ السبط…
هوى صريعاً تعانقه صوارمٌ ورماح ،
وهوت تقبلُ جسمَه حدودُ المواضى والظبا ،
وطاشت تمزقُ قلبُه سهامُ الحقد…
وتواثبت تداعبُ صدرَه حوافرٌ وسنابك ،
وتسابقت تناهشُ لحمَه ذئبانُ مسعورة..
وهكذا افترش الحسين رمضاءَ كربلاء ،
وقد كتبَ بدمِه أروعَ ملحمةٍ
في تاريخ البطولة والفداء .
غروبٌ لن يتكرر
وغربت شمسُ العاشرِ من المحرّم…
وأرسل الليلُ سُدوله الحزينة…
وأطلّ القمرُ بأشعتِه الوادعةِ الكئيب
ولامسَ ضوءُه المفجوعُ أشلاءَ الضحايا
المتلفعةِ بالنجيع ،
والمتناثرة فوق ثرى كربلاء..
غربت شمسُ العاشر من المحرم….
وأرسل الليلُ سدولَه الحزينة َ،
ليحتضن بين حناياه أناتِ الأرواح المحتضرة ،
وآهات الثكالى ،
ويلف نفوساً تسعّرت في قلوبها ضوارم الأحزان ،
ويحجب دموعاً تحجّرت في مآقي نساء ثاكلات ،
ويتامى والهات..
غربت شمسُ العاشر من المحرم…
وأرسل الليلُ سدوله الحزينة ،
ليواري وجوهاً لمخدّرات الرسالة هتكتها يدُ الأثمِ ،
ومزّقت سترها أصابع البغي ،
فما وجدت غير الأكفّ ستار..
وهكذا التقت وحشةُ الليلِ الكئيب بتلك القلوبِ المفجوعة ،
التي روّعها هول المصاب….
وكان الليلُ أقسى وقعاً على بنات الرسالة..
كان الليلُ إمتداداً لمأساةِ الظهيرة ،
فقد امتدت يدُ اللؤمِ
لتسجلَ بعداً جديداً من أبعاد الخسةِ والحقارةِ ،
فبعد أن أوقدت نار الأسى في القلوب الطاهرة ،
امتدت لتوقدها ناراً تلتهم أخبية النبوة وخيام الرسالة….
ظلال المأساة
وهكذا احتبكت ظلالُ المأساة وخيوطُ الفاجعة ،
لتكوّن الملتقى الأليم..
وكانت الحوراءُ زينبُ هي ذلك القلبُ
الذي تمازجت فيه روافدُ المأساة..
فأمام ناظرها ترتسمُ صورُ الفاجعة
أجسادٌ مزّقتها المواضي والسهام ،
صدورٌ سحقتها حوافرُ الخيولِ..
طفولةٌ بريئةٌ تعانقُ الموت ،
شبيبةٌ يافعةٌ تتهاوى في بحورِ من دماء ،
شيخوخةٌ هرمةٌ صريعةٌ فوق الرمال…
نيرانٌ تضطرمُ في الخيام ،
سياطٌ تتلوى على المتون…
نساءٌ حائراتٌ تستغيث ،
أطفالٌ وصبايا هائمات..
رؤوسٌ تتوامض على ذُرى الأسنه ،
همومٌ ثقيلةٌ تجثم على القلوب المثكولة..
والحوراءُ زينب….
وقد أخرسَ الخطبُ دمعَها….
تقفُ شاخصةً بطرفٍ كليل ٍ،
وقلبٍ مجروحٍ كئيب..
أتودّع صفوةً ظلّوا عرايا فوق الوهاد؟
أمْ تلملمُ صبيةً وصبايا هائمات؟
أمْ تكفكفُ بيدها الرّحيمةِ دمعةً
حجّرها المصابُ في مُقلةِ طفلة؟
أمْ تمسحُ بحنانٍ رأساً ليتيمةٍ روّعها الخطب؟
أمْ ترعى عليلاً كابد الآلام؟
أمْ تتقي ضرب السياطِ المجنونة؟
أمْ تجرّع النفسَ غُصصَ الشماتة الحاقدة؟
صورٌ أليمةٌ…
ومواقفُ حائرةٌ…
وأشباحٌ مرعبة…
(إلا أنّ شيئاً من الخور والضعف مااستطاع أن يلامسَ عزمةَ الصمود في نفس بطلة كربلاء)…
وفي زحمة الخواطر والآهات والآلام…
كانت الحوراءُ زينب تتخطى أشلاءَ القتلى
المتناثرة فوق الرمال الحمراء ،
لتقف عند جسد ابن والدها حسين…
ألقت على الجسد الطاهر نظراتٍ والهة ً،
فاتقذت لواعج الأسى في قلبها..
وأرسلت أنّةً خافتةً وآهة مخنوقة ،
وزفرة هادئة ،
وإنسابت من مآقيها دموعٌ صامتةٌ وعبراتٌ ساخنة ،
امتزجت بالدماء المُلفَّعة للجسد المقدّس..
ثمّ مدّت يدها الطاهرةَ إلى الجثمان المضرّج
والجسد الطريح ،
وشدّت طرفها إلى السماء قائلةً: (اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان)
متى تشرق الشمس
سيدي يا أبا الاحرار…
أطلّ علينا من كربلاء الشموخ…
فقد طغى الكفر وهاجت الفتن..
تاهت بنا الدروب ،
وارتكمت في أفقنا الغيوم..
ومات في نفوسنا الوميض ،
وانطفأ الضمير..
حياتنا أرهقها الجفاف ولفّها الضياع ،
وعاث في أحشائها الألم
وزمجرت زوابع الخريف..
وطال ليلنا البهيم..
وصاح في ربوعنا الذئاب..
-الحديث عن واقع المسلمين عموما في شتى أنحاء المعمورة-
وهاج في طريقنا النباح..
نمرود أوقد النيران ليحرق العباد ،
فرعون يتربع على كرسي الربوبية المزعوم
يصلب الأجساد على الجذوع ،
يسمل العيون ،
يقطي الأيدي والأرجل..
أبو جهل يقود جحافل الشرك
يحاربُ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم..
أبو سفيان يؤجج الفتن..
يزيد يقتل الحسين ،
يسبي النساء ،
يذبح الأطفال…
فمتى ينطوي الليل ،
وينهزم الظلام ؟
ويشرق الفجر ،
ويبتسم الربيع ؟
وتورق الحياة ،
ويضحك الأمل ؟
متى تنطفئ نيران نمرود ،
ويغرق فرعون ،
ويهلك أبو جهل ،
ويؤسر أبو سفيان ،
ويدفن يزيد ؟
متى ينتفض المختار ليقتل شمراً وابن سعد ؟
متى تشرق الشمس وينهزم الظلام ؟
وتنجحر خفافيش الليل ؟
قلوبنا ظامئة…
أرواحنا عطشى…
فالعجل العجل..
يا صاحب الزمان.